فصل: ذكر ملك مهلهل قرميسين والدينور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في المحرم خطب للملك أبي كاليجار بأصبهان وأعمالها وعاد الأمير أبو منصور بن علاء الدولة إلى طاعته‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما عصى على الملك أبي كاليجار وقصد كرمان على ما ذكرناه والتجأ إلى طاعة طغرلبك لم يبلغ ما كان يؤمله من طغرلبك فلما عاد طغرلبك إلى خراسان خاف أبو منصور من الملك أبي كاليجار فراسله في العود إلى طاعته فأجابه إلى ذلك واصطلحا‏.‏

وفيها اصطلح أبو الشوك وأخوه مهلهل وكان متقاطعين من حين أسر مهلهل أبا الفتح بن أبي الشوك وموت أبي الفتح في سجنه‏.‏

فلما كان الآن وخافا من الغز تراسلا في الصلح واعتذر مهلهل وأرسل ولده أبا الغنائم إلى أبي الشوك وحلف له أن أبا الفتح توفي حتف أنفه من غير قتل وقال‏:‏ هذا ولدي تقتله عوضه فرضي أبو الشوك وأحسن إلى أبي الغنائم ورده إلى أبيه واصطلحا واتفقا‏.‏

وفيها في جمادى الأولى خلع الخليفة على أبي القاسم علي بن الحسن بن المسلمة واستوزره ولقبه رئيس الرؤساء وهو ابتداء حاله‏.‏

وكان السبب في ذلك أن ذا السعادات بن فسانجس وزير الملك أبي كاليجار كان يسيء الرأي في عميد الرؤساء وزير الخليفة فطلب من الخليفة أن يعزله فعزله واستوزر رئيس الرؤساء نيابة ثم خلع عليه وجلس في الدست‏.‏

وفيها في شعبان سار سرخاب بن محمد بن عناز أخو أبي الشوك إلى البندنيجين وبها سعدي بن أبي الشوك ففارقها سعدي ولحق بأبيه ونهب سرخاب بعضها وكان أبو الشوك قد أخذ بلد سرخاب ما عدا دزديلويه وهما متباينان لذلك‏.‏

وفيها في آخر رمضان توفي أبو الشوك فارس بن محمد بن عناز بقلعة السيروان وكان مرض

لما سار إلى السيروان من حلوان ولما توفي غدر الأكراد بابنه سعدي وصاروا مع عمه مهلهل فعند ذلك مضى سعدي إلى إبراهيم ينال وأتى بالغز على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها قتل عيسى بن موسى الهذباني صاحب أربل وكان خرج إلى الصيد فقتله ابنا أخ له وساروا إلى قلعة إربل فملكاها وكان سلار بن موسى أخو المقتول نازلًا على قرواش بن المقلد صاحب الموصل لنفرة كانت بينه وبين أخيه فلما قتل سار قرواش مع السلار إلى إربل فملكها وسلمها إلى السلار وعاد قرواش إلى الموصل‏.‏

وفيها كانت ببغداد فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة وقتال اشتد قتل فيه جماعة‏.‏

وفيها وقع البلاء والوباء في الخيل فهلك من عسكر الملك أبي كاليجار اثنا عشر ألف فرس وعم ذلك البلاء‏.‏

وفيها توفي علي بن محمد بن نصر أبو الحسن الكاتب بواسط صاحب الرسائل المشهورة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة

  ذكر ملك مهلهل قرميسين والدينور

في هذه السنة ملك مهلهل بن محمد بن عناز مدينة قرميسين والدينور‏.‏

وسبب ذلك أن إبراهيم ينال كان قد استعمل عند عوده من حلوان على قرميسين بدر بن طاهر بن هلال فلما ملك مهلهل بعد موت أخيه أبي الشوك سار إلى مايدشت ونزل بها ثم توجه نحو قرميسين فانصرف عنها بدر فملكها مهلهل وسير ابنه محمدًا إلى الدينور وبها عساكر ينال فاقتتلوا فقتل بين الفريقين جماعة وانهزم أصحاب ينال وملك محمد البلد‏.‏

  ذكر اتصال سعدي بن أبي الشوك بإبراهيم ينال وما كان منه

في هذه السنة في شهر ربيع الأول فارق سعدي بن أبي الشوك عمه مهلهلًا ولحق بإبراهيم ينال فصار معه‏.‏

وسبب ذلك أن عمه تزوج أمه وأهمل جانبه واحتقره وكذلك أيضًا قصر في مراعاة الأكراد الشاذنجان فراسل سعدي إبراهيم ينال في اللحاق به فأذن له في ذلك ووعده أن يملكه ما كان لأبيه فسار إليه في جماعة من الأكراد الشاذنجان فقوي بهم فأكرمه ينال وضم إليه جمعًا من الغز وسيره إلى حلوان فملكها وخطب فيها لإبراهيم ينال في شهر ربيع الأول وأقام بها أيامًا ورجع إلى مايدشت فسار عمه مهلهل إلى حلوان فملكها وقطع منها خطبة ينال‏.‏

فلما سمع سعدي بذلك سار إلى حلوان ففارقها عمه مهلهل إلى ناحية بلوطة وملك سعدي حلوان وسار إلى عمه سرخاب فكبسه ونهب ما كان معه وسير جمعًا إلى البندنيجين فاستولوا عليها وقبضوا على نائب سرخاب بها ونهبوا بعضها وانهزم بعضها وانهزم سرخاب فصعد إلى قلعة دزديلويه ثم عاد سعدي إلى قرميسين فسير عمه مهلهل ابنه بدرًا إلى حلوان فملكها فجمع سعدي وأكثر وعاد إلى حلوان ففارقها من كان بها من أصحاب عمه من كان بالقلعة وملكها سعدي وكان قد صحبه كثير من الغز فسار بهم منها إلى عمه مهلهل وترك بها من يحفظها‏.‏

فلما علم عمه بقربه منه سار بين يديه إلى قلعة تيرانشاه بقرب شهرزور فاحتمى بها وملك الغز كثيرًا من النواحي والمواشي وغنموا كثيرًا من الأموال والدواب‏.‏

فلما رأى سعدي تحصن عمه منه خاف على من خلفه بحلوان فعاد عازمًا على محاصرة القلعة فمضى وحصرها وقاتله من بها من أصحاب عمه ونهب الغز حلوان وفتكوا فيها وافتضوا الأبكار وأحرقوا المساكن وتفرق الناس‏!‏ وفعلوا في تلك النواحي جميعها أقبح فعل‏.‏

ولما سمع أصحاب الملك أبي كاليجار ووزيره هذه الأخبار ندبوا العساكر إلى الخروج إلى مهلهل ومساعدته على ابن أخيه ودفعه عن هذه الأعمال فلم يفعلوا‏.‏

ثم إن سعدي أقطع أبا الفتح بن ورام البندنيجين واتفقا واجتمعا على قصد عمه سرجاب بن محمد بن عناز وحصره بقلعة دزديلويه فسارا فيمن معهما من العساكر فلما قاربوا القلعة دخلوا في مضيق هناك من غير أن يجعلوا لهم طليعة طمعًا فيه وإدلالًا بقوتهم وكان سرخاب قد جعل على رأس الجبل على فم المضيق جمعًا من الأكراد فلما دخلوا المضيق فتقطرت بهم خيلهم فسقطوا عنها ورماهم الأكراد الذين على الجبل فوهنوا وأسر سعدي وأبو الفتح بن ورام وغيرهما من الرؤوس وتفرق الغز والأكراد من تلك النواحي بعد أن كانوا قد توطنوها وملكوها‏.‏

  ذكر حصار طغرلبك أصبهان

في هذه السنة حصر طغرلبك مدينة أصبهان وبها صاحبها أبو منصور فرامرز ابن علاء الدولة فضيق عليه ولم يظفر من البلد بطائل ثم اصطلحوا على مال يحمله فرامرز بن علاء الدولة لطغرلبك وخطب له بأصبهان وأعمالها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خرج من الترك من بلد التبت خلق لا يحصون كثرة فراسلوا أرسلان خان صاحب بلاساغون يشكرونه على حسن سيرته في رعيته ولم يكن منهم تعرض إلى مملكته ولكنهم أقاموا بها وراسلهم ودعاهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ولم ينفروا منه‏.‏

وفيها انحدر علاء الدين أبو الغنائم ابن الوزير ذي السعادات إلى البطائح وحصرها وبها صاحبها أبو نصر بن الهيثم وضيق عليه واجتمع مع جمع كثير‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفي عبد الله بن يوسف أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي وكان إمامًا في الشافعية تفقه على أبي الطيب سهل ابن محمد الصعلوكي وكان عالمًا بالأدب وغيره من العلوم وهو من بني سنبس بطن من طئ‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

  ذكر صلح أبي كاليجار والسلطان طغرلبك

في هذه السنة أرسل الملك أبو كاليجار إلى السلطان ركن الدين طغرلبك في الصلح فأجابه إليه واصطلحا وكتب طغرلبك إلى أخيه ينال يأمره بالكف عما وراء ما بيده واستقر الحال بينهما أن يتزوج طغرلبك بابنة أبي كاليجار ويتزوج الأمير أبو منصور بن أبي كاليجار بابنة الملك داود أخي طغرلبك وجرى العقد في شهر ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

  ذكر القبض على سرخاب أخي أبي الشوك

في هذه السنة قبض الأكراد اللرية وجماعة من عسكر سرخاب عليه لأنه أساء السيرة معهم ووترهم فقبضوا عليه وحملوه إلى إبراهيم ينال فقلع إحدى عينيه وطالبه بإطلاق سعدي بن أبي الشوك فلم يفعل‏.‏

وكان أبو العسكر بن سرخاب قد غاضبه لما قبض على سعدي واعتزله كراهية لفعله فلما أسر أبوه سرخاب سار إلى القلعة وأخرج سعدي ابن عمه وفك قيوده وأحسن إليه وأطلقه وأخذ عليه بطرح ما مضى والسعي في خلاص والده سرخاب فسار سعدي واجتمع عليه خلق كثير من الأكراد ووصل إلى إبراهيم ينال فلن يجد عنده الذي أراد ففارقه وعاد إلى الدسكرة وكاتب الخليفة ونواب الملك أبي كاليجار بالعود إلى الطاعة وأقام بها‏.‏

  ذكر ملك إبراهيم ينال قلعة كنكور وغيرها

في هذه السنة سار إبراهيم ينال إلى قلعة كنكور وبها عكبر بن فارس صاحب كرشاسف بن علاء الدولة يحفظها له فامتنع عكبر بها إلى أن فنيت ذخائره وكانت قليلة فلما نفدت الذخائر عمد إلى بيوت الطعام التي في القلعة وملأها ترابا وحجارة وسد أبوابها ونثر من داخل الأبواب شيئًا من طعام وعلى رأس التراب والحجارة كذلك أيضًا وراسل إبراهيم في تسليم القلعة إليه على أن يؤمنه على من بها من الرجال وما بها من الأموال فأرسل إليه إبراهيم يمتنع عليه من ترك المال فأخذ عكبر رسول إبراهيم فطوفه على البيوت التي فيها الطعام وفتح مواضع من المسدود فرآها مملوءة فظنها طعامًا وقال له عكبر‏:‏ ما راسلت صاحبك خوفًا من المطاولة ولا إشفاقًا من نفاد الميرة لكنني أحببت الدخول في طاعته فإن بذل لي الأمان على ما طلبته لي وللأمير كرشاسف وأمواله ولمن بالقلعة سلمت إليه وكفيته مؤونة المقام‏.‏

فلما عاد الرسول إلى إبراهيم وأخبره أجابه إلى ما طلب ونزل عكبر وتسلمها إبراهيم فلما صعد إلى القلعة انكشفت الحيلة وسار عكبر بمن معه إلى قلعة سرماج وصعد إليها‏.‏

ولما ملك ينال كنكور عاد إلى همذان فسير جيشًا لأخذ قلاع سرخاب واستعمل عليهم نسيبًا له اسمه أحمد وسلم إليه سرخابًا ليفتح به قلاعه فسار به إلى قلعة كلكان فامتنعت عليه فساروا إلى قلعة دزديلويه فحصروها وامتدت طائفة منهم إلى البندنيجين فنهبوها في جمادى الآخرة وفعلوا الأفاعيل القبيحة من النهب والقتل وافتراش النساء والعقوبة على تخليص الأموال فمات منهم جماعة لشدة الضرب‏.‏

وسارت طائفة منهم إلى أبي الفتح بن ورام فانصرف عنهم خوفًا منهم وترك حلله بحالها وقصد أن يشتغلوا بنهب حلله فيعود عليهم فلم يعرجوا على النهب وتبعوه فلشدة خوفه أن يظفروا به ويأخذوه قاتلهم فظفر بهم وقتل وأسر جماعة منهم وغنم ما معهم ورجع الباقون وأرسل إلى بغداد يطلب نجدة خوفًا من عودهم فلم ينجدوه لعدم الهيبة وقلة إمساك الأمر فعبر بنو ورام دجلة إلى الجانب الغربي‏.‏

ثم إن الغز أسروا إلى سعدي بن أبي الشوك في رجب وهو نازل على فرسخين من باحسري وكبسوه فانهزم هو ومن معه لا يلوي الأخ على أخيه ولا الوالد على ولده فقتل منهم خلق كثير وغنم الغز أموالهم ونهبوا تلك الأعمال وكان سعدي قد أنزل مالًا من قلعة السيروان فوصله تلك الليلة فغنمه الغز إلا من سلم معه ونجا سعدي من الوقعة بجريعة الذقن ونهب الغز الدسكرة وباجسري والهارونية وقصر سابور وجميع تلك الأعمال‏.‏

ووصل الخبر إلى بغداد بأن إبراهيم ينال عازم على قصد بغداد فارتاع الناس واجتمع الأمراء والقواد إلى الأمير أبي منصور ابن الملك أبي كاليجار ليجتمعوا ويسيروا إليه ويمنعوه واتفقوا على ذلك فلم يخرج غير خيم الأمير أبي منصور والوزير ونفر يسير وتخلف الباقون وهلك من أهل تلك النواحي المنهوبة خلق كثير فمنهم من قتل ومنهم من غرق ومنهم من قتله البر‏.‏

ووصل سعدي إلى ديالى ثم سار منها إلى أبي الأغر دبيس بن مزيد فأقام عنده‏.‏

ثم إن إبراهيم ينال سار إلى السيروان فحصر القلعة وضيق على من بها وأرسل سرية نهبت البلاد وانتهت إلى مكان بينه وبين تكريت عشرة فراسخ ودخل بغداد من أهل طريق خراسان خلق كثير وذكروا من حالهم ما أبكى العيون ثم سلمها إليه مستحفظًا بعد أن أمنه على نفسه وماله وأخذ منها ينال من بقايا ما خلفه سعدي شيئًا كثيرًا ولما فتحها استخلف فيها مقدمًا كبيرًا من أصحابه يقال له سخت كمان وانصرف إلى حلوان وعاد منها إلى همذان ومعه بدر ومالك ابنا مهلهل فأكرمهما‏.‏

ثم إن صاحب قلعة سرماج توفي وهو من ولد بدر بن حسنويه وسلمت القلعة بعده إلى إبراهيم ينال وسير إبراهيم ينال وزيره إلى شهرزور فأخذها وملكها فهرب منه مهلهل فأبعد في الهرب‏.‏

ثم نزل أحمد على قلعة تيرانشاه وحاصرها ونقب عليها عدة نقوب ثم إن مهلهلًا راسل أهل شهرزور يعدهم بالمسير إليهم في جمع كثير ويأمرهم بالوثوب بمن عندهم من الغز ففعلوا وقتلوا منهم وسمع أحمد بن طاهر فعاد إليهم وأوقع بهم ونهبهم وقتل كثيرًا منهم‏.‏

ثم إن الغز المقيمين بالبندنيجين ومن معهم ساروا إلى براز الروز وتقدموا إلى نهر السليل فاقتتلوا هم وأبو دلف القاسم بن محمد الجاواني قتالًا شديدًا ظفر فيه أبو دلف وانهزم الغز وأخذ ما معهم‏.‏

وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم الكردي فأغاروا وعاثوا فأخذ عليهم المضيق وأوقع بهم وقتل كثيرًا منهم وارتجع ما غنموه من بلده‏.‏

في هذه السنة اشتد الحصار من عسكر الملك أبي كاليجار على أب نصر بن الهيثم صاحب البطيحة فجنح إلى الصلح فاشتط عليه أبو الغنائم ابن الوزير ذي السعادات ثم استأمن نفر من أصحاب أبي نصر وملاحيه إلى أبي الغنائم وأخبروه بضعف أبي نصر وعزمه على الانتقال من مكانه فحفظ الطرق عليه فلما كان خامس صفر جرت وقعة كبيرة بين الفريقين واشتد القتال فظفر أبو الغنائم وقتل من البطائحيين جماعة كثيرة وغرق منهم سفن كثيرة وتفرقوا في الآجام ومضى ابن الهيثم ناجيًا بنفسه في زبزب وملكت داره ونهب ما فيها‏.‏

  ذكر ظهور الأصفر وأسره

في هذه السنة ظهر الأصفر التغلبي برأس عين وادعى أنه من المذكورين في الكتب واستغوى قومًا بمخاريق وضعها وجمع جمعًا وغزا نواحي الروم فظفر وغنم وعاد وظهر حديثه وقوي ناموسه وعاودوا الغزو في عدد أكثر من العدد الأول ودخل نواحي الروم وأوغل وغنم أضعاف ما غنمه أولًا حتى بيعت الجارية الجميلة بالثمن البخس‏.‏

وتسامع الناس به فقصدوه وكثر جمعه واشتدت شوكته وثقلت على الروم وطأته فأرسل ملك الروم إلى نصر الدولة بن مروان يقول له‏:‏ إنك عالم بما بيننا من الموادعة وقد فعل هذا

واتفق في ذلك الوقت أن وصل رسول من الأصفر إلى نصر الدولة أيضًا ينكر عليه ترك الغزو والميل إلى الدعة فساءه ذلك أيضًا واستدعى قومًا من بني نمير وقال لهم‏:‏ إن هذا الرجل قد أثار الروم علينا ولا قدرة لنا عليهم وبذل لهم مالًا على الفتك به فساروا إليه فقربهم ولازموه فركب يومًا غير متحرز فأبعد وهم معه فعطفوا عليه وأخذوه وحملوه إلى نصر الدولة بن مروان فاعتقله وتلافى أمر الروم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة تجددت الهدنة بين صاحب مصر وبين الروم وحمل كل واحد منهما لصاحبه هدية عظيمة‏.‏

وفيها كان ببغداد والموصل وسائر البلاد العراقية والجزرية غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة وتبعه وباء شديد مات فيه كثير من الناس حتى خلت الأسواق وزادت أثمان ما يحتاج إليه المرضى حتى بيع المن من الشراب بنصف دينار ومن اللوز بخمسة عشر قيراطًا والرمانة بقيراطين والخيارة بقيراط وأشباه ذلك‏.‏

وفيها جمع الأمير أبو كاليجار فناخسرو بن مجد الدولة بن بويه جمعًا وسار إلى آمد فدخلها وساعده أهلها وأوقع بمن كان فيها من أصحاب طغرلبك فقتل وأسر وعرف طغرلبك ذلك فسار عن الري قاصدًا إليه ومتوجهًا إلى قتاله‏.‏

وفيها توفي عميد الدولة أبو سعد محمد بن الحسين بن عبد الرحيم بجزيرة ابن عمر في ذي القعدة وله شعر حسن ووزر لجلال الدولة عدة دفعات‏.‏

وفيها سير المعز بن باديس صاحب إفريقية أسطولًا إلى جزائر القسطنطينية فظفر وغنم وعاد‏.‏

وفيها اقتتلت طوائف من تلكاتة قاتل بعضهم بعضًا وكان بينهم حرب صبروا فيها فقتل منهم خلق كثير‏.‏

وفيها قبض الملك أبي كاليجار على وزيره محمد بن جعفر بن أبي الفرج الملقب بذي السعادات بن فسانجس وسجنه وهرب ولده أبو الغنائم وبقي الوزير مسجونًا إلى أن مات في شهر رمضان سنة أربعين وقيل أرسل إليه أبو كاليجار من قتله وعمره إحدى وخمسون سنة وللوزير ذي السعادات مكاتبات حسنة وشعر جيد منه‏:‏ أودعكم وإني ذو اكتئاب وأرحل عنكم والقلب آبي وإن فراقكم في كل حال لأوجع من مفارقة الشباب وأشكر كلما أوطنت دارًا ليالينا القصار بلا اجتناب وأذكركم إذا هبت جنوب فتذكرني غرارات التصابي لكم مني المودة في اغتراب وأنتم إلف نفسي في اقترابي وهو أطول من هذا‏.‏

ولما قبض ذو السعادات استوزر أبو كاليجار كمال الملك أبا المعالي بن عبد الرحيم‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب المعروف بالمطرز الشاعر وله شعر جيد فمن قوله في الزهد‏:‏ يا عبد كم لك من ذنب ومعصية إن كنت ناسيها فالله أحصاها لا بد يا عبد من يوم تقوم به ووقفة لك يدمي القلب ذكراها إذا عرضت على قلبي تذكرها وساء ظني فقلت استغفر اللاها وفيها مات أبو الخطاب الجبلي الشاعر ومضى إلى الشام ولقي المعري وعاد ضريرًا وله شعر منه قوله‏:‏ ما حكم الحب فهو ممتثل وما جناه الحبيب محتمل تهوى وتشكو الضنى وكل هوى لا ينحل الجسم فهو منتحل وفيها توفي أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال الحافظ ومولده سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة سمع أبا بكر القطيعي وغيره ومن أصحابه الخطيب أبو بكر الحافظ‏.‏

وفيها قتل الفقيه أحمد الولوالجي وهو من أعيان الفقهاء الحنفية إلا أنه كان يكثر الوقيعة في الأئمة والعلماء وسلك طريق الرياضة وفسد دماغه فقتل بين مرو وسرخس في ذي الحجة‏.‏

  ثم دخلت سنة أربعين وأربعمائة

  ذكر رحيل عسكر ينال عن تيرانشاه

وعود مهلهل إلى شهرزور قد ذكرنا في السنة المتقدمة استيلاء أحمد بن طاهر وزير ينال على شهرزور ومحاصرته قلعة تيرانشاه ولم يزل يحاصرها إلى الآن فوقع في عسكره الوباء وكثر الموت فأرسل إلى صاحبه ينال يستمده ويطلب إنجاده ويعرفه كثرة الوباء عنده فأمره بالرحيل عنها فسار إلى مايدشت‏.‏

فلما سمع مهلهل ذلك سير أحد أولاد شهرزور فملكها وانزعج الغز الذين بالسيروان وخافوا‏.‏

ثم سار جمع من عسكر بغداد إلى حلوان وحصروا قلعتها فلم يظفروا بها فنهبوا تلك الأعمال وأتوا على ما تخلف من الغز فخربت الأعمال بالكلية وسار مهلهل ومعه أهله وأمواله إلى بغداد فأنزلهم بباب المراتب بدار الخلافة خوفًا من الغز وعاد إلى حلله وبينه وبين بغداد ستة فراسخ وسار جمع من عسكر بغداد إلى البندنيجين وبها جمع من الغز مع عكبر ابن أحمد بن عياض فتواقعوا واقتتلوا فانهزم عسكر بغداد وقتل منهم جماعة وأسر جماعة قتلوا أيضًا صبرًا‏.‏

  ذكر غزو إبراهيم ينال الروم

في هذه السنة غزا إبراهيم ينال الروم فظفر بهم وغنم‏.‏

وكان سبب ذلك أن خلقًا كثيرًا من الغز بما وراء النهر قدموا عليه فقال لهم‏:‏ بلادي تضيق عن مقامكم والقيام بما تحتاجون إليه والرأي أن تمضوا إلى غزو الروم وتجاهدوا في سبيل الله وتغنموا وأنا سائر على أثركم ومساعد لكم على أمركم‏.‏

ففعلوا‏.‏ وساروا بين يديه وتبعهم فوصلوا إلى ملازكرد وأرزن الروم وقاليقلا وبلغوا طرابزون وتلك النواحي كلها ولقيهم عسكر عظيم لروم والأبخاز يبلغون خمسين ألفًا فاقتتلوا واشتد القتال بينهم وكانت بينهم عدة وقائع تارة يظفر هؤلاء وتارة هؤلاء وكان آخر الأمر الظفر للمسلمين فأكثروا القتل في الروم وهزموهم وأسروا جماعة كثيرة من بطارقتهم وممن أسر قاريط ملك الأبخاز فبذل في نفسه ثلاثمائة ألف دينار وهدايا بمائة ألف فلم يجبه إلى ذلك ولم يجوس تلك البلاد وينهبها إلى انهزموا أن بقي بينه وبين القسطنطينية خمسة عشر يومًا واستولى المسلمون على تلك النواحي فنهبوها وغنموا ما فيها وسبوا أكثر من مائة ألف رأس وأخذوا من الدواب والبغال والغنائم والأموال ما لا يقع عليه الإحصاء وقيل إن الغنائم حملت على عشرة آلاف عجلة وإن في جملة الغنيمة تسعة عشر ألف درع‏.‏

وكان قد دخل بلد الروم جمع من الغز يقدمهم إنسان نسيب طغرلبك فلم يؤثر كبير أثر وقتل من أصحابه جماعة وعاد ودخل بعده إبراهيم ينال ففعل هذا الذي ذكرناه‏.‏

  ذكر موت الملك أبي كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم

في هذه السنة توفي الملك أبي كاليجار المرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه رابع جمادى الأولى بمدينة جناب من كرمان‏.‏

وكان سبب مسيره إليها أنه كان قد عول في ولاية كرمان حربًا وخرابًا على بهرام بن لشكرستان الديلمي وقرر عليه مالًا فتراخى بهرام في تحرير الأمر وأحاله إلى المغالطة والمدافعة فشرع حينئذ أبو كاليجار في إعمال الحيلة عليه وأخذ قلعة بردسير من يده وهي معقله الذي يحتمي به ويعول عليه فراسل بعض من بها من الأجناد وأفسدهم فعلم بهم بهرام فقتلهم وزاد نفوره واستشعاره وأظهر ذلك فسار إليه الملك أبو كاليجار في ربيع الآخر فبلغ قصر مجاشع فوجد في حلقه خشونة فلم يبال بها وشرب وتصيد وأكل من كبد غزال مشوي واشتدت علته ولحقه حمى وضعف عن الركوب ولم يمكنه المقام لعدم الميرة بذلك المنزل فحمل في محفة على أعناق الرجال إلى مدينة جناب فتوفي بها وكان عمره أربعين سنة وشهورًا وكان ملكه بالعراق بعد وفاة جلال الدولة أربع سنين وشهرين ونيفًا وعشرين يومًا‏.‏

ولما توفي نهب الأتراك من العسكر الخزائن والسلاح والدواب وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وكانت منفردة عن العسكر فأقام عنده وأراد الأتراك نهب الوزير والأمير فمنعهم الديلم وعادوا إلى شيراز فملكها الأمير أبو منصور واستشعر الوزير فصعد إلى قلعة خرمة فامتنع بها‏.‏

فلما وصل خبر وفاته إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر خرة فيروز أحضر الجند واستحلفهم وراسل الخليفة القائم بأمر الله في معنى الخطبة له وتلقيبه بالملك الرحيم وترددت الرسل بينهم في ذلك إلى أن أجيب إلى ملتمسه سوى الملك الرحيم فإن الخليفة امتنع من إجابته

واستقر ملكه بالعراق وخوزستان والبصرة وكان بالبصرة أخوه أبو علي بن أبي كاليجار‏.‏

وخلف أبو كاليجار من الأولاد‏:‏ الملك الرحيم والأمير أبا منصور فلاستون وأبا طالب كامرو وأبا المظفر بهرام وأبا علي كيخسرو وأبا سعد خسروشاه وثلاثة بنين أصاغر فاستولى ابنه أبو منصور على شيراز فسير إليه الملك الرحيم أخاه أبا سعد في عسكر فملكوا شيراز وخطبوا للملك الرحيم وقبضوا على الأمير أبي منصور والدته وكان ذلك في شوال‏.‏

  ذكر محاصرة العساكر المصرية مدينة حلب

في جمادى الآخرة وصلت عساكر مصر إلى حلب في جمع كثير فحصروها وبها معز الدولة أبو علوان ثمال بن صالح الكلابي فجمع جمعًا كثيرًا بلغوا خمسة آلاف فارس وراجل فلما نزلوا على حلب خرج إليهم ثمال وقاتلهم قتالًا شديدًا صرب فيه لهم إلى الليل ثم دخل البلد فلما كان الغد اقتتلوا إلى آخر النهار وصبر أيضًا ثمال وكذلك أيضًا اليوم الثالث‏.‏

فلما رأى المصريون صبر ثمال وكانوا ظنوا أن أحدًا لا يقوم بين أيديهم رحلوا عن البلد فاتفق أن تلك الليلة جاء مطر عظيم لم ير الناس مثله جاءت المدود إلى منزلهم فبلغ الماء ما يقارب قامتين ولو لم يرحلوا لغرقوا ثم رحلوا إلى الشام الأعلى‏.‏

في هذه السنة اختلف قرواش والأكراد الحميدية والهذبانية وكان للحميدية عدة حصون تجاور الموصل منها العقر وما قاربها وللهذبانية قلعة إربل وأعمالها وكان صاحب العقر حينئذ أبا الحسن بن عيسكان الحميدي وصاحب إربل أبو الحسن بن موسك الهذباني وله أخ اسمه أبو علي بن موسك فأعانه الحميدي على أخذ إربل من أخيه أبي الحسن فملكها منه وأخذ صاحبها أبا الحسن أسيرًا‏.‏

وكان قرواش وأخوه زعيم الدولة أبو كامل بالعراق مشغولين فلما عادا إلى الموصل وقد سخطا هذه الحالة لم يظهراها وأرسل قرواش يطلب من الحميدي والهذباني نجدة له على نصر الدولة بن مروان‏.‏

فأما أبو الحسن الحميدي فسار إليه بنفسه وأما أبو علي الهذباني فأرسل أخاه واصطلح قرواش ونصر الدولة وقبض على أبي الحسن الحميدي ثم صانعه على إطلاق أبي الحسن الهذباني الذي كان صاحب إربل وأخذ إربل من أخيه أبي علي وتسليمها إليه فإن امتنع أبو علي كان عونًا عليه فأجاب إلى ذلك ورهن عليه أهله وأولاده وثلاث قلاع من حصونه إلى أن يتسلم إربل وأطلق من الحبس‏.‏

وكان أخ له قد استولى على قلاعه فخرج إليها وأخذها منه وعاد إلى قرواش أخيه زعيم الدولة فوثقا به وأطلقا أهله ثم إنه راسل أبا علي صاحب إربل في تسليمها فأجاب إلى ذلك وحضر بالموصل ليسلم إربل إلى أخيه أبي الحسن فقال الحميدي لقراوش‏:‏ إنني قد وفيت بعهدي فتسلمان إلي حصوني فسلما إليه قلاعه وسار هو وأبو الحسن وأبو علي الهذباني إلى إربل ليسلماها إلى أبي الحسن فغدرا به في الطريق وكان قد أحس بالشر فتخلف عنهما وسير معهما أصحابه ليتسلموا إربل فقبضا على أصحابه وطلبوه ليقبضوه فهرب إلى الموصل وتأكدت الوحشة حينئذ بين الأكراد وقرواش وأخيه وتقاطعوا وأضمر كل منهم الشر لصاحبه‏.‏